السياحة
والإسراف في الترويح على النفس والبدن
لقد حرص كثير من الناس على تضخيم الترويح على النفس والبدن، حتى ظنوا بسبب ذلك أنهم مفتونون في بيوتهم وبلدانهم، استصغروا ما كانوا يُكْبِرون من قبل، واستنـزروا ما كانوا يستكثرون، أقفرت منازلهم من الأُنس، وألِفوا السياحة على مفهومهم الخاطئ، والجلوس في المنتديات حال الاغتراب، حتى أصبح المرء منهم في داره حاضراً كالغائب، مقيماً كالنازح، يعلم من حال البعيد عنه ما لا يعلم من حال القريب منه، قبل الإجازات يعقدون الجلسات غير المباركة عن معاقد عزمهم في شد الرحال، إلى مجاري الأنهار، وشواطئ البحار، في بلاد الكفار، أو بلاد تشبهها، يفرون من الحر اللافح إلى البرد القارس، وما علموا أن الكل من فيح جهنم ونَفَسِها، الذي جعله الله لها في الشتاء والصيف.
رحلات عابثة تفتقر إلى الهدف المحمود، والنفع المنشود، أدنى سوءها: الإسراف والتبذير، ناهيكم عما يُشاهَد هنالك من محرمات ومخازي لا يُدرى كيف يُبيح المرء لنفسه أن يراها؟! وماذا سيجيب الله عن قوله:( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور:30] .
ولا بِدْعَ حينئذٍ إذا عُكِسَت آمال هؤلاء وخابت أعمالهم، فلم يرجعوا من سياحتهم إلا بنفاذ المال في الدنيا، وسوء المغبة في الأخرى.