جلست مجموعة فتيات في قاعة المحاضرة على صف واحد، وانتهى بي المطاف أن جلست بين صديقتين، وأحسست أن إحداهما لم يعجبها الأمر، ولكني لم أقصد التفريق بينهما، وإنما سبقتها للمقعد، وخرجت لوهلة لكي أروي ظمئي، وحينما رجعت وجدتها جالسة في مكاني تتحدث مع صديقتها، وعندما طلبت منها القيام رفضت، فجلست في مكانها، وكظمت غيظي؛ لأني عجزت عن جعلها تقوم من مجلسها، وكان الحل الوحيد هو جعلها تقوم بالقوة، ولكني لا أحب الشجار، إضافة إلى أنه لا يستحق، ولكنها جلست في مجلس لا يحق لها، وكان عليها أن تقوم، وشعرت بالغيظ- رغم أني لم أبده لها- لأنها فعلت شيئًا لا يحق لها فعله، وحاولت أن أقنع نفسي أن العفو شيء جميل، ولكن لا يجب دائمًا على صاحب الحق أن يصبر ويعفو، إضافة إلى أن ذلك سيشجعها على فعل مثل هذه الأمور معي في المستقبل؛ لأنها بذلك استغلت طيبتي، مع أني أستطيع أن أكون قاسية، ولكنني لا أحب أن أكون كذلك، فماذا كان يجب عليّ فعله؟ وما رأيكم في ردة فعلي؟ وهل أنا ضعيفة شخصية؟ جزاكم الله خيرًا على جهودكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي نراه أنّ الأمر يسير، وقد أحسنت بعدم الشجار، وليس في ذلك ضعف منك، لكن العكس هو الصحيح، فالعفو والصفح والتجاوز عن الهفوات، خلق الكرام الأقوياء، وهو يرفع شأن صاحبه، ويزيده عزًّا وكرامة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: … وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا.
لكن كان ينبغي أن تبيني لها برفق أدب الشرع في المجالس، ففي سنن أبي داود عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.
وينبغي عليك أن تجتنبي الجلوس بين اثنتين بغير إذنهما؛ لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا. رواه أبو داود.
قال الخادمي: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ» لِإِنْسَانٍ «أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا»، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَحَبَّةٌ، وَجَرَيَانُ سِرٍّ وَكَلَامٍ، فَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا التَّفَرُّقَ، إلَّا فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ فُرْجَةٌ. اهـ.