رجل تزوج زوجة ثانية سرًّا، وأسكنها بعيدًا من بيته، يزورها متى شاء، وأنجبت له ثلاثة أولاد في ثلاث سنين من الزواج، ثم اكتشفت زوجته الأولى الأمر، فلما سألته عنه، أنكر، وحلف بالله أنه لم يتزوج، فما حكم الزواج الثاني؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس من حق الزوجة الأولى أن تحجر على زوجها في أن يتزوج ثانية، وثالثة، ورابعة، فذلك مباح له إذا كان يعلم من نفسه القدرة على الإنفاق، والعدل.
وليس من حقّها أن ترفض ذلك بعد علمها بوقوعه؛ لقول الله تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً [النساء:3].
فإذا كان هذا الرجل قد تزوج بزوجة ثانية زواجًا مستوفي الشروط والأركان، منتفي الموانع؛ فهو زواج صحيح، والزوجة زوجته.
وإنكاره لزواجه منها، وحلفه لزوجته الأولى أنه لم يتزوج، لا يفسده.
وليس طلاقًا صريحًا لهذه الزوجة الثانية، ولكنه كناية، تحتمل الطلاق، وغيره، فقد يكون قصد هذا الرجل أنّه غير متزوج بالمرأة التي ترضيه، أو نحو ذلك من المعاني المحتملة؛ فلا يقع بذلك الطلاق حينئذ.
أمّا إذا قصد الطلاق بإنكاره لزواجه، وحلفه أنه لم يتزوج، فإنّه يقع، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا. وأراد به الكذب، لم يلزمه شيء… إنما لم يلزمه إذا أراد الكذب؛ لأن قوله: ما لي امرأة، كناية تفتقر إلى نية الطلاق، وإذا نوى الكذب، فما نوى الطلاق، فلم يقع. وهكذا لو نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني، أو ترضيني، أو أني كمن لا امرأة له، أو لم ينوِ شيئًا، لم تطلق؛ لعدم النية المشترطة في الكناية، وإن أراد بهذا اللفظ طلاقها، طلقت؛ لأنها كناية صحبتها النية. انتهى.
والله أعلم.