أرجو أن تعطوني خلاصة مريحة لما أمر به. طالما كنت أسمع أن الدعاء يحقق المعجزات، وهذا ما جعلني أتمسك بأحلامي. كنت أدعو الله في أحب الأوقات إليه، وخاصة في رمضان وفي العشر الأواخر.
تحقق ما كنت أرجوه، ولكن لم يدم طويلا، بالرغم من أني كنت أدعو الله أن يرزقني ما طلبت، وأن يديم علي ما رزقني، لكن سرعان ما يستجيب وسرعان ما يذهب ما رزقني، ولهذا السبب أصبحت أخشى الدعاء.
أرجوكم وضحوا لي الأمر؛ لأني أصبحت حائرة، وأخشى أن أصل لمرحلة اليأس.
آسفة على الإطالة، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن الدعاء خير كله، وأنه من أعظم أسباب تحقيق المطلوب، ودفع المرهوب.
فإياك واليأس من رحمة الله، ومن قرب فرجه، بل أكثري من الدعاء على كل حال، فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل، وأَلِحِّي في المسألة، فإن الله -تعالى- يحب الملحين في الدعاء.
واعلمي كذلك أن دعاءك لن يذهب سدى، بل أنت مأجورة عليه على كل حال، وأنت الرابحة من ورائه؛ إما استجابة الدعاء، وإما أن يصرف الله عنك من السوء مثل ما دعوت به، وإما أن يدخره لك يوم القيامة. كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأكثري من الدعاء، ولا تدعيه مهما أبطأت الإجابة، وأنت على خير ما دعوت الله تعالى، وتوكلت عليه، وادعيه سبحانه موقنة بإجابته، واجمعي قلبك عند الدعاء، وتحري أوقات الإجابة، وخذي ما وسعك بأسباب استجابة الدعاء، فلن يخيب عبد هذا شأنه.
ثم اعلمي أن العبد قد يدعو فيستجاب له، لكنه لا يحفظ تلك النعمة الحاصلة بطاعة الله تعالى، فيسلبه الله ما أعطاه، فقد تكونين مقصرة في شكر ما ينعم الله عليك به، كما أنك قد تأتين بمانع من موانع الإجابة من الإصرار على معصية، أو نحو ذلك، فتحرمين إجابة دعائك بذلك.
فاتهمي نفسك دائما، ولا تتهمي ربك تعالى؛ فإن ربك حكم عدل لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، والعبد كثيرا ما يؤتى من تقصيره في حق الله، وتفريطه في جنب الله، ينبهه الله بذلك ليتوب ويراجع الاستقامة.
فالزمي طاعة الله تعالى عالمة أنه ذو الفضل العظيم، وأنه سبحانه هو الحكيم العليم الذي يضع الأشياء كلها في مواضعها ويوقعها في مواقعها.
هذا، وفي أول كتاب الداء والدواء للعلامة ابن القيم -رحمه الله- فصول نافعة في الدعاء؛ فراجعيها للفائدة.
والله أعلم.