الذنوب في مجملها جناية في حق الخالق سبحانه، فهي عصيان لأمره وخروج عن طاعته، وهي وإن استوت جميعها في كونها معصية لله، إلا أنها تتفاوت فيما يترتب عليها من عقوبة وإثم، فأقبح الذنوب على الإطلاق وأكبرها إثما وأشدها عقوبة هو الكفر بالله، الذي يخُرج من الدين، ويخلُد صاحبه في النار، وبعد الكفر تأتي كبائر الذنوب والتي من أعظمها ما يسمى بالكفر الأصغر، حيث عدّه العلماء أشدَّ من الزنا، وشرب الخمر، والسرقة؛ لأن ذنباً سماه الله كفراً هو أعظم من غيره من الذنوب التي لم يطلق عليها هذا الاسم .
تعريف الكفر الأصغر
يطلق الكفر الأصغر على الذنوب التي سماها الشرع كفراً، ولكنه لم يحكم على أصحابها بالخروج من الإسلام، كقتال المسلم لأخيه المسلم دون حق، قال- عليه الصلاة والسلام -:( سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ) متفق عليه، والطعن في أنساب الناس وقبائلهم، والنياحة على الميت بلطم الخدود، وشق الجيوب، قال – عليه الصلاة والسلام – 🙁 اثنتان في الناس هما بهم كفر؛ الطعن في النسب، والنياحة على الميت ) رواه مسلم . ومن ذلك أيضاً انتساب الولد إلى غير أبيه مع علمه بوالده، لقوله – عليه الصلاة والسلام – : ( لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر ) متفق عليه، ومنه كذلك تنكر المرأة لحق زوجها وإحسانه، فقد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – أكثر أهل النار من النساء، فسئل عن سبب ذلك، فقال: ( لأنهن؛ يكفرن الزوج، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك ما يسوؤها، قالت: ما رأيت منك خيرا قط ) رواه البخاري .
فكل هذه صور للكفر الأصغر الذي لا يخرج صاحبه من الإسلام، وليس معنى تسمية تلك الذنوب كفراً أصغر أن يتهاون الناس في ارتكابها، وإنما المراد مزيد تحذير وتنفير منها، فهي أعظم إثما من الكبائر، ويجب على فاعلها التوبة منها، والرجوع إلى الله سبحانه .
آثار الكفر الأصغر
لم يطلق الشرع وصف الكفر على هذه الأعمال إلا لما لها من آثار خطيرة على مستوى الأفراد والمجتمعات، فإشهار المسلم سيفه في وجه أخيه المسلم مؤذن بانفراط عقد الأخوة، وفتح أبواب الفتن بين المسلمين، وتعرية الإنسان من نسبه من أعظم المخاطر التي تهدد الحياة الاجتماعية، والنياحة على الميت تشتمل على كثير من المفاسد العقدية والاجتماعية كالتسخط وعدم الرضا بالقدر، وترك الصبر على المصائب والبلايا، وانتساب الولد إلى غير أبيه سبب لتفكك الروابط الأسرية، وجحود المرأة حق زوجها من أسباب المشاكل الزوجية وخراب البيوت، وذلك لأن الأسر مبناها على الاحترام المتبادل، وتقدير كل طرف للآخر، وبانتفاء هذا التقدير والاحترام تبقى البيوت عرضة للزوال والانهيار .
الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر
ومع كل المفاسد التي يسببها الكفر الأصغر إلا أن صاحبه يظل في دائرة الإسلام لا يخرج منها، وإذا لقي الله عز وجل بتلك الذنوب، فإنه يكون مستحقا للعقوبة، إلا أن يعفو الله عنه، بخلاف الكفر الأكبر فإن فاعله خارج عن الإسلام، وإذا مات على كفره أدخله الله النار خالدا مخلدا فيها.
كان هذا تعريفاً موجزاً بالكفر الأصغر، قدمناه ليحذر المسلم الوقوع فيه، ويجتنب كل ما يسخط الله ويغضبه مهما بدا له صغيراً، فإن التقي: ” لا ينظر إلى صغر المعصية ولكن ينظر إلى عظمة من عصى” .