الصبر

الحمد الله الذي هدانا لكل خير وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله , ثم الصلاة والسلام على خير من صلى وبالنهار صام , وجاهد وبالليل قام , وأوذي في الله فصبر وظفر , ودل الأمة على كل ما فيه فوز وظفر , فتارة يدلهم على فضائل وأعمال لها حصر في الثواب , وتارة يدلهم على فضائل وأعمال ثوابها بغير حساب , قال الله تعالى : (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )) , وكان صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل له بهذا الخلق العظيم ممتثلاً خير امتثال قال الله له : ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ…

عناصر المراجعه :


Warning: Undefined array key "tie_rate_729" in /home/momn/public_html/wp-content/themes/jarida/functions/theme-functions.php on line 1619
تقييم المستخدمون: كن أول المصوتين !

الحمد الله الذي هدانا لكل خير وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله , ثم الصلاة والسلام على خير من صلى وبالنهار صام , وجاهد وبالليل قام , وأوذي في الله فصبر وظفر , ودل الأمة على كل ما فيه فوز وظفر , فتارة يدلهم على فضائل وأعمال لها حصر في الثواب , وتارة يدلهم على فضائل وأعمال ثوابها بغير حساب , قال الله تعالى : (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )) , وكان صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل له بهذا الخلق العظيم ممتثلاً خير امتثال قال الله له : ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ )) فكان دعوته خير مثال للصبر , أوذي صلى الله عليه وسلم حساً ومعنىً فما كان منه إلا الصبر وكان له عند ربه جل وعلا أعظم الظفر , وأنت أخي المبارك وأنا , كم نحتاج في واقعنا اليوم إلى كثير من الصبر , في طاعاتنا , وعن معاصينا , وفيما يصيبنا من أقدار مؤلمة ؟ الصبر كلمة صغيرة تحمل معنى عظيماً , يحتاجه المريض في شكواه , والمبتلى في بلواه , والمهموم في همومه , والمحزون في غمومه وأحزانه , يحتاجه طالب العلم مع كبته في علمه وجلده , والداعية فيما يلاقيه في دعوته , يحتاجه الأب في تربيته لأبنائه , والأم حينما تحس بفقد أي مفقود , وكذا الزوجة في حياتها , إن استعمالات هذا الخلق العظيم عظيمة وكثيرة وكبيرة , فإلى كل محتاج ومكلوم ومهموم بل كل مؤمن أصابته ضراء هاهو الدواء , الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (( وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ )) إليك معنى هذه الكلمات التي قالها أفضل من صبر , أسوقها ضمن سلسلة جولتنا في صحيح مسلم ومع حديث في هذا الباب :

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ ، فَأَعْطَاهُمْ. ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ. حَتَّىٰ إِذَا نَفِذَ مَا عِنْدَهُ قَالَ: «مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ. وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللّهِ. وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللّهُ. وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللّهُ. وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ».

أولاً : تخريج الحديث :

الحديث أخرجه مسلم في ” كتاب الزكاة ” ” باب فضل التعفف والصبر” حديث ( 1053 ) , وأخرجه البخاري في ” كتاب الزكاة ” ” باب الاستعفاف عن المسألة ” حديث ( 1469 ) وأخرجه أبوداود في ” كتاب الزكاة ” ” باب في الاستعفاف ” حديث ( 1644 ) وأخرجه الترمذي في ” كتاب البر والصلة ” ” باب ما جاء في الصبر ” حديث ( 2024 ) وأخرجه النسائي في ” كتاب الزكاة ” ” باب الاستعفاف في المسألة ” حديث ( 2587 )

ثانياً : شرح ألفاظ الحديث :

(( حَتَّىٰ إِذَا نَفِذَ مَا عِنْدَهُ )) : نفد بكسر الفاء أي فرغ ، والمعنى حتى فرغ ماعنده .
(( فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ )) : أي لن أحبسه و أمنعكم إياه .
(( وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ )) : السين والتاء تدلان على الطلب في ( يَسْتَعْفِفْ ، يَسْتَغْنِ ) أي يطلب العفة والاستغناء ، فقوله :
(( يَسْتَعْفِفْ )) : الاستعفاف : طلب العفاف والتعفف , والثاني هو المراد في حديث الباب وهو طلب التعفف عما في أيدي الناس ، فإنه إن فعل ذلك ، فالنتيجة : (( يُعِفَّهُ اللّهِ )) أي يجازيه على استعفافه بصيانة وجهه ورفع فاقته . [ انظر النهاية مادة ( عفف) والمفهم حديث ( 920 ) ] (( وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللّهُ )) : أي يطلب الغنى ممن عنده الغني الله جل وعلا ( يُغْنِهِ اللّهُ ) فيخلق في قلبه غنى ، أو يعطيه ما يستغنى به عن الخلق .
(( وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللّهُ )) : أي من يستعمل الصبر ويحمل نفسه عليه ( يُصَبِّرْهُ اللّهُ ) : يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد وتصبر وتذعن لتحمل الشدائد .
والصبر : هوحبس النفس عن المكروه، وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج .
[ انظر الفتح حديث (6470) ]

ثالثاً : من فوائد الحديث :-

الفائدة الأولى : الحديث فيه الحث على خصلتين عظيمتين متلازمتين وهما الاستعفاف عما في أيدي الناس والاستغناء بماعند الله تعالى.
قال الشيخ السعدي – رحمه الله – : ” وتمام ذلك أن يجاهد نفسه على الأمر الثاني : وهو الاستغناء بالله ، والثقة بكفايته، فإنه من يتوكل على الله فهوحسبه، وهذا هو المقصود، والأول وسيلة إلى هذا، فإن من استعف عما في أيدي الناس وعما يناله منهم : أوجب له ذلك أن يقوى تعلقه بالله ، ورجاؤه وطمعه في فضل الله وإحسانه ” [ انظر بهجة قلوب الأبرار وشرح الأخبار الحديث الثالث والثلاثون ]

الفائدة الثانية : الحديث فيه دلالة على عظم الصبر ، وهي خصلة لها علاقة بالخصلتين السابقتين فالاستعفاف عما في أيدي الناس مع الحاجة يحتاج إلى صبر ، وتقدم أن الاستغناء بما عند الله تعالى يكون بعد الاستعفاف عما في أيدي الناس ليقوى يقينه بربه جل وعلا.

ولاشك أن الصبر المراد عام في كل أمر يحتاج إلى صبر ، وإليك هذه المباحث اليسيرة فيه :-

أولاً : تعريفه :-

هومصدر صبر يصبر وهومأخوذ من مادة ( صبر ) التي تدل من حيث اللغة على ثلاثة معان :

  • الأول : الحبس .
  • والثاني : أعالي الشيء .
  • الثالث : جنس من الحجارة . [ انظر لسان العرب مادة (صبر ) ]

وفي الاصطلاح : ذكر له أهل العلم عدة تعريفات – وهي متقاربة – منها ما ذكره ابن حجر – رحمه الله – وتقدم في ألفاظ الحديث ومنها :-
قيل : هوحبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش.
وقيل : هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله إلى الله تعالى .
والله تعالى أثنى على أيوب – عليه السلام – بالصبر بقوله : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ( ص : 44 )
مع أن أيوب دعا برفع الضر عنه بقوله : {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } ( الأنبياء83 )
فعُلم أن العبد إذا دعا الله تعالى في كشف الضر عنه فإن هذا لا يقدح في صبره ، وهناك تعريفات أخرى غير ما ذكر . [ انظر مدارج السالكين لابن القيم 1/162 ، 163 ]

ثانياً : للصبر أنواع :-

قال ابن القيم- رحمه الله – : ” الصبر باعتبار متعلقه ثلاثة أقسام : صبر الأوامر والطاعات التي يؤديها ، وصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يسخطها ”
[ انظر المرجع السابق 1/165 ] فالصبر على الطاعات : كالصبر على الصلوات فرضاً ونفلاً، والصيام , وقراءة القرآن وغيرها من أنواع الطاعات .
والصبر على المعاصي : كالصبر على الشهوات المحرمة كالزنا والنظر الحرام والأكل الحرام وغيرها من أنواع المعاصي .
والصبر على الأقدار والأقضية : كالصبر على الابتلاء والمصائب والأوجاع وفوات بعض المصالح وحصول بعض المكاره المقدرة.

ثالثاً : أهمية الصبر :-

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” قد ذكر الله الصبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعاً، وقرنه بالصلاة في قوله : {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } ( البقرة45 )، وجعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } ( السجدة : 24 ) فإن الدين كله علم بالحق وعمل، والعمل به لابد فيه من الصبر، بل وطلب علمه يحتاج إلى صبر… ” [ البصائر : 3/376]

رابعاً : حكم الصبر:-

أمر الله عز وجل بالصبر فقال :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران :200 ) ، ونهى عن ضده فقال تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم – : {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } (الأحقاف : 35 ) فالعجلة ضد الصبر.
وأما حكمه فقد ذهب ابن القيم – رحمه الله – إلى وجوبه ونقل الإجماع على ذلك فقال : ” وهو واجب بإجماع الأمة ” [ انظر المدارج 2/174 ] ولعله – رحمه الله – أراد الصبر على الأمور الواجبة أو عن الأمور المحرمة .
ومن أهل العلم من ذهب إلى التفصيل وما أجمل ما قاله الإمام الغزالي – رحمه الله – : ” واعلم أن الصبر أيضاً ينقسم باعتبار حكمه إلى فرض ومستحب ومكروه ومحرم، فالصبر عن المحظورات فرض، والصبر على المكاره مستحب ،والصبر على الأذى المحظور محظور، كمن يُقصد حريمه بشهوة محظورة فتهيج غيرته فيصبر عن إظهار الغيرة ويسكت عما يجري على أهله ، فهذا الصبر محرم ” [ انظر الإحياء 4/69] فالصبر على أداء الصلوات المكتوبات هذا صبر واجب، لكن الصبر على إسباغ الوضوء على المكاره حال برودة الماء أو حرارته مستحب، وكذلك الصبر على مقابلة السيئة بمثلها، فالله عزوجل أجاز لمن عوقب بسيئة أن يعاقب بمثلها لكن العفو وسماه صبراً خيرٌ منه فهذا صبر مستحب قال تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } ( النحل : 126 ).

خامساً : للصبر ثمرات وفضائل منها :-

لعظم أمر الصبر جعل الله تعالى فيه ثمرات وفضائل كثيرة أسوق لك شيئاً منها عشر من الكتاب وعشر من السنة , فإليك مما ورد من الكتاب أولا :
1- أن الله تعالى جعل الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين .
قال تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } (السجدة : 24 )
2- أن الله أخبر أن الخير بالصبر مؤكداً ذلك باليمين .
قال تعالى : { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } (النحل : 126 )
ومن أعظم الخير فيه أن أجره لا يقدر و لا يحدد فقال سبحانه : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } ( الزمر :10 )
3- وأخبر الله جل وعلا أنه يحب الصابرين .
قال تعالى : { وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } (آل عمران : 146 )
4- وأخبر أنه معهم ، فبالبصبر ينال العبد معية الله تعالى
قال تعالى : { َاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (الأنفال : 46 )
5- وعلق الله تعالى الفلاح بالصبر والتقوى
فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران :200)
6- وأعطى الصابرين عند المصيبة ثلاث بشائر كل واحدة منها عظيمة بذاتها
فقال تعالى : {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (البقرة : 157 )
7- وأخبر أنه بالصبر والتقوى معهما لايضر كيد العدو وتسليطه
فقال تعالى : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } (آل عمران :120 )
8- وأخبر أن الفوز بالجنة والنجاة من النار إنما تنال بالصبر
فقال تعالى : {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } (المؤمنون :111)
9- وأن تدبر آياته والانتفاع بها خص به أهل الصبر والشكر
فقال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }( إبراهيم :5 )
10- وأخبر أن الصبر من أعالي الأمور وأعظمها
فقال تعالى : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } (آل عمران :186)
، وقال حكاية عن لقمان : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (لقمان :17 )
وهذا مما ورد من فضائل الصبر في القرآن وهي كثيرة جداً وتقدم قول شيخ الإسلام- رحمه الله – بورود الصبر في القرآن في أكثر من تسعين موضعاً وامتدح الله تعالى الصبر في كثير من المواطن.
وورد في السنة فضائل كثيرة منها :-
11- فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم – أن الصبر ضياء
ففي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه – قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: (( الصبر ضياء ))
12- وأخبر أنه من ابتلي بذهاب عينيه فصبر فإن فله الجنة.
ففي صحيح البخاري من حديث أنس – رضي الله عنه – قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (( إن الله عزوجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة )) يريد عينيه.
14- وكذلك من صبر على ذهاب حبيبه من قريب أو صديق فله الجنة
ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ((يقول الله تعالى ” ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة))
15- وأخبر – صلى الله عليه وسلم – أنه من صبر على شدة المدينة نال الشهادة أوالشفاعة له منه – صلى الله عليه وسلم – ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: (( من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة )) يعني المدينة.
16- وأخبر أن من علامات الخيرية للعبد أن يصيبه ولاشك أن العبد بالصبر ينال الفضل الكامل على المصيبة.
ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : (( من يرد الله به خيراً يصب منه ))
وكذلك ينال بذلك تكفير السيئات ولو صغرت المصيبة .
ففي الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال : (( ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها ))
17- وأن الصبر في آخر الزمان مضاعف أجره وثوابه حتى أن النبي- صلى الله عليه وسلم – : (( إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيه مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثله ، قال : يا رسول الله أجر خمسين منهم ، قال : أجر خمسين منكم )) أي من الصحابة – رضوان الله عليهم – والحديث رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه .
18- وأخبر أن النصر قرين الصبر ومعه
ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال النبي- صلى الله عليه وسلم – : (( واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً )) قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
19- وأخبر أن الصبر مع مخالطة الناس والصبر على أذاهم أعظم أجراً ممن لم يكن كذلك .
ففي سنن الترمذي وابن ماجه ومسند أحمد من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ))
20- وأخبر أن المؤمن بصبره على الضراء يحوِّل ما يصيبه في دنياه إلى خير يستفيد منه
ففي صحيح مسلم من حديث صهيب – رضي الله عنه -: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ))
وهذه عشر فضائل مما ورد في السنة فتتامت عشرون ثمرة وفضيلة من الكتاب والسنة ولا أدعي حصرها بل هو شيء يسير في فضل هذه العبادة العظيمة عبادة الصبر ومما أسعفني فيه بحثي المتواضع على عجالة من أمري وماذاك إلا لتدرك أخي المبارك طرفاً من قول النبي – صلى الله عليه وسلم -في حديث الباب ((وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ)) وإلا فعند التأمل في هذه العبادة تظهر لك ثمرات وفضائل وأسرار ونوائل نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.

سادساً : أعظم الصبر فضلاً وأجراً عند أول المصيبة :

ففي الصحيحين من حديث أنس- رضي الله عنه – قال : مر النبي- صلى الله عليه وسلم – بامرأة تبكي عند قبر فقال : ” اتقي الله واصبري ” قالت : إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ، ولم تعرفه ، فقيل لها : إنه النبي – صلى الله عليه وسلم -، فأتت النبي- صلى الله عليه وسلم – فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك ، فقال رسول الله : ” إنما الصبر عند الصدمة الأولى ” وسيأتي الكلام على هذا الحديث في بابه بإذن الله تعالى .
سابعاً : البكاء ودمع العين لا ينافي الصبر :
بل البكاء إذا كان رحمة فهو مستحب لأنه هدي النبي – صلى الله عليه وسلم –
ويدل على ذلك : ما جاء في الصحيحين من حديث أنس- رضي الله عنه – لما دخل النبي – صلى الله عليه وسلم -على ابنه إبراهيم وهو في سكرات الموت وعيناه تذرفان ، قال أنس : ” فقال عبدالرحمن بن عوف : وأنت رسول الله ؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” إن العين لتدمع ، والقلب يحزن، ولانقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ”
وأيضاً ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – حينما عاد النبي- صلى الله عليه وسلم – سعد بن عبادة- رضي الله عنه – وكان مريضاً بكى النبي – صلى الله عليه وسلم – فلما رأى أصحابه بكاءه بكوا فقال : (( ألا تسمعون ؟ إن الله لايعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه – أو يرحم ))
وفي الصحيحين أيضاً من حديث أسامة- رضي الله عنه – حين بكى النبي – صلى الله عليه وسلم – لخروج روح ابن ابنته قال له سعد – رضي الله عنه – : ” ماهذا يا رسول الله ؟ ” فقال : (( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عبادة ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” لكن البكاء على الميت على وجه الرحمة مستحب ، وذلك لا ينافي الرضا ”
[ انظر مجموع الفتاوى ( 10/479] وأما إذا صاحب البكاء تسخط وتبرَّم من القضاء أو نوح وصياح أو خمش للوجوه ونحو ذلك من الأفعال أو الأقوال المحرمة فهذا بكاء ممنوع محرم يأثم عليه صاحبه .

ثامناً : هل الشكوى إلى الناس ما يجد من الألم ينافي الصبر؟

الصواب أنه لا ينافي الصبر إن كان راضياً بقضاء الله وقدره غير ساخط ولا جازع
ويدل على ذلك ماجاء في صحيح البخاري من حديث عائشة – رضي الله عنها -أنها قالت ” ورأساه ” فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” لوكان وأنا حي ( أي لو متِ وأنا حي ) فأستغفر لكِ وأدعو لكِ ” فقالت عائشة : واثكلياه ، والله إني لأظنك تحب موتي، ولوكان ذلك لظللت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك ، فقال النبي : ” بل أنا وارأساه ” )) الحديث وسيأتي الكلام عليه في بابه بإذن الله تعالى.
قال ابن حجر- رحمه الله – : ” وأما مجرد التشكي فليس مذموماً حتى يحصل السخط للمقدور ”
[ انظر كتاب المرضى باب مارخص للمريض أن يقول : إني وجع أو ورأساه…] ولاشك أن الأفضل للمصاب أن يشتغل بذكر الله وحمده والثناء عليه فهذا خير له من الشكوى وربما احتسابه لذلك وإخفاء صبره على المصيبة عن الناس أفضل، وهذا هو الصبر الجميل وهو الأكمل والأفضل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” ذكر الله تعالى في كتابه الصبر الجميل ، والصفح الجميل ، والهجر الجميل ، والصبر الجميل : هو الذي لا شكوى فيه ولا معه ، والصفح الجميل هو الذي لاعتاب معه ، والهجر الجميل هو الذي لا أذى معه” [ انظر مدارج السالكين 2/167]

تاسعاً : وماذا يقول المصاب عند المصيبة ؟

شاع عند الناس أنه إذا أصيب بمصيبة أن يقول ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) وليس هذا هوالهدي النبوي عند ذلك ، بل السنة أن يقول ما أثنى الله به على عباده المؤمنين حيث قال :{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } (البقرة : 156)
وما جاء في السنة من حديث أم سلمة – رضي الله عنها – أنها سمعت رسو الله – صلى الله عليه وسلم -يقول : ((ما من مسلم تصيبة مصيبة فيقول ما أمره الله : ” إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها ” إلا خلف الله له خيراً منها )).
هذا ماتيسر عرضه من مباحث تتعلق بالصبر وسيأتي مزيد على ذلك بإذن الله في مظانها والله أعلم وأحكم.
الفائدة الثالثة : حديث الباب فيه دلالة على أن خلق الصبر خلق مكتسب أيضاً وذلك إذا عوَّد العبد نفسه على تحمل المشاق وصبرَّها نال العون على ذلك من الله جل وعلا ، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال : ((ومن يصبر يصبِّره الله )).

مُسْتَلَّةٌ من شرح صحيح مسلم كتاب الزكاة للشيخ عبدالله حمود الفريح –الحدود الشمالية– رفحاء

المصدر > صفحة من موقع صيد الفوائد .
الوصلة > http://www.saaid.net/Doat/alfraih/9.htm

الحمد الله الذي هدانا لكل خير وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله , ثم الصلاة والسلام على خير من صلى وبالنهار صام , وجاهد وبالليل قام , وأوذي في الله فصبر وظفر , ودل الأمة على كل ما فيه فوز وظفر , فتارة يدلهم على فضائل وأعمال لها حصر في الثواب , وتارة يدلهم على فضائل وأعمال ثوابها بغير حساب , قال الله تعالى : (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )) , وكان صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل له بهذا الخلق العظيم ممتثلاً خير امتثال قال الله له : ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ…

عناصر المراجعه :


Warning: Undefined array key "tie_rate_729" in /home/momn/public_html/wp-content/themes/jarida/functions/theme-functions.php on line 1619
تقييم المستخدمون: كن أول المصوتين !

عن شبكة مؤمن

شبكة مؤمن موقع شخصي يهدف إلى جمع محتويات ما نجد رسائل أو صفحات مفيدة بإذن الله تعالى ونقوم بنشرها وتثبيتها في موقع مستمر إن شاء الله تعالى على سيرفر قوي وسريع ما شاء الله تعالى وكذلك الإعلان عن هذا الموقع في كل فرصة لزيادة زواره ونشر محتوياته والحرص على حصول النفع ودفع الضرر إن شاء الله تعالى .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الإيمان بالأنبياء والرسل حقيقته ومقتضياته

الإيمان بالأنبياء والرسل حقيقته ومقتضياته الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان العبد إلا به. والأدلة الشرعية متواترة على تأكيد ذلك، فقد أمر سبحانه بالإيمان بهم، وقرن ذلك بالإيمان به فقال: { فآمنوا بالله ورسله } (النساء: 171) ...

واتساب 0502010797
محادثة واتساب 0502010797
Scan the code
واتساب 0502010797
السلام عليكم 👋
كيف يمكنني خدمتكم؟