مما لا شك فيه أن ذكر الله تعالى من أنفع الأدوية للقلوب، ويأتي في مقدمة الأذكار تسبيح الله تعالى، ونقصد بذلك أن يقول الذاكر: سبحان الله.
إننا حين نقول: سبحان الله فإننا ننزه الله تعالى عن كل نقص ونصفه بجميع صفات الكمال والجمال، وإننا بذلك نشارك هذا الكون التسبيح لله عز وجل: { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}(الإسراء:44).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (يقول تعالى: تُقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن أي من المخلوقات وتنزهه وتعظمه وتجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته، ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد).وقال: (وقوله:{وإن من شيء إلا يسبح بحمده} أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} أي: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد).انتهى كلامه.
فالرعد والملائكة تسبح: { وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ }(الرعد/13). { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ }(غافر:7).{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ }(الزمر/75).
والجبال والطيور تسبح: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } (الأنبياء/79). وقال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ..}(سبأ:10).{ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ }(ص/18).
وأهل الجنة يسبحون الله ، ففي صحيح البخاري رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا يَبْصُقُونَ فِيهَا، ولَا يَمْتَخِطُونَ، ولَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ومَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ، ورَشْحُهُمُ المِسْكُ، ولِكُلِّ واحِدٍ منهمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِما مِن ورَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ، لا اخْتِلَافَ بيْنَهُمْ ولَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ واحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وعَشِيًّا “.
وعند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: ” إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فيها ويَشْرَبُونَ، ولا يَتْفُلُونَ ولا يَبُولونَ ولا يَتَغَوَّطُونَ ولا يَمْتَخِطُونَ قالوا: فَما بالُ الطَّعامِ؟ قالَ: جُشاءٌ ورَشْحٌ كَرَشْحِ المِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ والتَّحْمِيدَ، كما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ “.
من فضائل التسبيح وفوائده:
للتسبيح فضائل عديدة ومنافع كثيرة في الدنيا والآخرة، ومن هذه الفضائل أنه:
من أفضل الكلام وأحبه إلى الله تعالى:
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أفضل الكلام أربع: سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر”.
وثبت عند مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟” قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: “إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده”. وسُئل عليّ رضي الله عنه عن: “سبحان الله” ، فقال: (كلمة رضيها الله لنفسه فأوصى بها).
أجر التسبيح والتحميد يملأ ما بين السماء والأرض:
فعند مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ…”. أي: إنّ أجر ذكرهما يملأُ ما بين السّموات والأرض ؛ لاشتمالهما على تنزيه الله تعالى في قوله: “سُبحان الله “، والتّفويض والافتقار إلى الله في قوله: “الحمدُ لله “.
وقال صلى الله عليه وسلم: “أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة”.
التسبيح ثقيل في ميزان العبد:
“كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ”.
كما أنه من أفضل ما يلقى العبد به ربه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه”.
التسبيح غراس الجنة:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة”.
التسبيح يحط الخطايا وإن كثرت:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر”.
حتى في مجالسنا قد نلغو قد نغفل ، وقد شرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم كفارة المجلس فقال: ” مَن جلسَ في مجلِسٍ فَكَثرَ فيهِ لغطُهُ ، فقالَ قبلَ أن يقومَ من مجلسِهِ ذلِكَ : سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما كانَ في مجلِسِهِ ذلِكَ “.
التسبيح وإجابة الدعاء:
هناك علاقة وثيقة بين التسبيح وإجابة الدعاء، فإن نبي الله يونس عليه السلام لما التقمه الحوت سبح ربه فأجابه الله وأمر الحوت فقذفه في الساحل، قال الله تعالى: { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}(الأنبياء 87-88).
وقد ثبت علن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعاه وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنت سبحانَك إنِّي كنتُ من الظَّالمين فإنَّه لم يدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له “.
الذكر والتسبيح في مواجهة أعباء الحياة:
إن ذكر الله وتسبيحه سبحانه وتعالى له أثر عظيم في تخفيف أعباء الحياة ومتاعبها، واستجلاب معونة الله تعالى للعبد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها، شَكَتْ ما تَلْقَى مِن أثَرِ الرَّحَا، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فأخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَيْنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لأقُومَ، فَقَالَ: “علَى مَكَانِكُمَا”. فَقَعَدَ بيْنَنَا حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي، وقَالَ: “ألَا أُعَلِّمُكُما خَيْرًا ممَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما تُكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، وتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وتَحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ”.
ويستفاد من الحديث: أنَّ مَن واظَب على هذا الذِّكرِ عند النَّومِ، لم يُصِبْه إعياءٌ؛ لأنَّ فاطمةَ رضِي اللهُ عنها شَكَتِ التَّعَبَ من العَملِ، فأحالَها صلَّى الله عليه وسلَّم- على ذلك.
أيها الأحبة: هذه بعض فضائل التسبيح فحري بنا ألا نبخل على أنفسنا بها، وأن نحرص كل الحرص على الإكثار من تسبيح ربنا وذكره استجابة لأمر الله تعالى القائل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }(الأحزاب:41-42).